سورة الأعلى - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعلى)


        


{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ} أي قد صادف البقاء في الجنة، أي من تطهر من الشرك بإيمان، قاله ابن عباس وعطاء وعكرمة.
وقال الحسن والربيع: من كان عمله زاكيا ناميا.
وقال معمر عن قتادة: {تَزَكَّى} قال بعمل صالح. وعنه وعن عطاء وأبي العالية: نزلت في صدقة الفطر. وعن ابن سيرين {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} قال: خرج فصلى بعد ما أدى.
وقال عكرمة: كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي. فقال سفيان: قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}. وروي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر: أن ذلك في صدقة الفطر، وصلاة العيد. وكذلك قال أبو العالية، وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها، ومن سقاية الماء.
وروى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قال: «أخرج زكاة الفطر»، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} قال: «صلاة العيد».
وقال ابن عباس والضحاك: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} في طريق المصلى فَصَلَّى صلاة العيد.
وقيل: المراد بالآية زكاة الأموال كلها، قاله أبو الأحوص وعطاء.
وروى ابن جريج قال: قلت لعطاء: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى للفطر؟ قال: هي للصدقات كلها.
وقيل: هي زكاة الأعمال، لا زكاة الأموال، أي تطهر في أعماله من الرياء والتقصير، لان الأكثر أن يقال في المال: زكى، لا تزكى.
وروى جابر بن عبد الله قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} أي من شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول الله». وعن ابن عباس {تَزَكَّى} قال: لا إله إلا الله.
وروى عنه عطاء قال: نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال: كان بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة، مائلة في دار رجل من الأنصار، إذا هبت الرياح أسقطت البسر والرطب إلى دار الأنصاري، فيأكل هو وعياله، فخاصمه المنافق، فشكا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه، فقال: «إن أخاك الأنصاري ذكر أن بسرك ورطبك يقع إلى منزله، فيأكل هو وعياله، فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها؟» فقال: أبيع عاجلا بآجل! لا أفعل. فذكروا أن عثمان بن عفان أعطاه حائطا من نخل بدل نخلته، ففيه نزلت {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}. ونزلت في المنافق- {يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}. وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
الثانية: قد ذكرنا القول في زكاة الفطر في السورة البقرة مستوفى. وقد تقدم أن هذه السورة مكية، في قول الجمهور، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر. القشيري: ولا يبعد أن يكون أثنى على من يمتثل أمره في صدقة الفطر وصلاة العيد، فيما يأمر به في المستقبل.
الثالثة: قوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} أي ذكر ربه.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد ذكر معاده وموقفه بين يدي الله جل ثناؤه، فعبده وصلي له.
وقيل: ذكر اسم ربه بالتكبير في أول الصلاة، لأنها لا تنعقد إلا بذكره، وهو قوله: الله أكبر: وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة، لان الصلاة معطوفة عليها. وفية حجة لمن قال: إن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء الله عز وجل. وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء. وقد مضى القول في هذا في أول سورة البقرة.
وقيل: هي تكبيرات العيد. قال الضحاك: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ في طريق المصلى فَصَلَّى، أي صلاة العيد.
وقيل: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ وهو أن يذكره بقلبه عند صلاته، فيخاف عقابه، ويرجو ثوابه، ليكون استيفاؤه لها، وخشوعه فيها، بحسب خوفه ورجائه.
وقيل: هو أن يفتتح أول كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم. فَصَلَّى أي فصلى وذكر. ولا فرق بين أن تقول: أكرمتني فزرتني، وبين أن تقول: زرتني فأكرمتني. قال ابن عباس: هذا في الصلاة المفروضة، وهي الصلوات الخمس.
وقيل: الدعاء، أي دعاء الله بحوائج الدنيا والآخرة.
وقيل: صلاة العيد، قاله أبو سعيد الخدري وابن عمر وغيرهما. وقد تقدم.
وقيل: هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاته، قاله أبو الأحوص، وهو مقتضى قول عطاء. وروي عن عبد الله قال: من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له.


{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16)}
قراءة العامة بَلْ تُؤْثِرُونَ بالتاء، تصديقه قراءة أبي بل أنتم تؤثرون. وقرأ أبو عمرو ونصر بن عاصم {بل يؤثرون} بالياء على الغيبة، تقديره: بل يؤثرون الاشقون الحياة الدنيا. وعلى الأول فيكون تأويلها بل تؤثرون أيها المسلمون الاستكثار من الدنيا، للاستكثار من الثواب. وعن ابن مسعود أنه قرأ هذه الآية، فقال: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة؟ لان الدنيا حضرت وعجلت لنا طيباتها وطعامها وشرابها، ولذاتها وبهجتها، والآخرة غيبت عنا، فأخذنا العاجل، وتركنا الآجل.
وروى ثابت عن أنس قال: كنا مع أبي موسى في مسير، والناس يتكلمون ويذكرون الدنيا. قال أبو موسى: يا أنس، إن هؤلاء يكاد أحدهم يفري الأديم بلسانه فريا، فتعال فلنذكر ربنا ساعة. ثم قال: يا أنس، ما ثبر الناس ما بطأ بهم؟ قلت الدنيا والشيطان والشهوات. قال: لا، ولكن عجلت الدنيا، وغيبت الآخرة، أما والله لو عاينوها ما عدلوا ولا ميلوا.


{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17)}
أي والدار الآخرة، أي الجنة. خَيْرٌ أي أفضل. وَأَبْقى أي أدوم من الدنيا.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع» صحيح. وقد تقدم.
وقال مالك بن دينار: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى، لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى، على ذهب يفنى. قال: فكيف والآخرة من ذهب يبقى، والدنيا من خزف يفنى.

1 | 2 | 3 | 4